فصل: (سورة سبأ: الآيات 1- 2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن إسحاق: يزعمون أنّ عمران بن عامر وهو عم القوم كان كاهنًا فرأى في كهانته أنّ قومه سيمزقون ويباعد بين أسفارهم، فقال لهم: إني قد علمت أنكم ستمزقون، فمن كان منكم ذا همَ بعيد وحمل شديد ومزاد جديد فليلحق بكاسن أو كرود، قال: فكان وادعة بن عمرو.
ومن كان منكم يُريد عيشًا هانئًا وحرمًا آمنًا فليلحق بالأردن فكانت خزاعة، ومن كان منكم يُريد الراسيات في الرجل والمطعمات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخل، فكان الأوس والخزرج، ومن كان منكم يُريد خمرًا وخميرًا وذهبًا وحريرًا وملكًا وتأميرًا، فليلحق بكوثى وبصرى، فكانت غسان بنو جفنة ملوك الشام، ومن كان منهم بالعراق.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} قال مطرف: هو المؤمن الذي إذا ُأُعطي شكر وإذا ابتلي صبر.
قوله: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ} قرأ أهل الكوفة: بتشديد الدال وهي قراءة ابن عباس واختيار أبي عبيد، أي ظن فيهم ظنًا حيث قال: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82]، وقال: {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17]، فصدّق ظنه وحقّقه لفعله ذلك بهم واتّباعهم إياه، وقرأ الآخرون: {صَدَقَ} بالتخفيف أي صدق عليهم في ظنه بهم.
{عَلَيْهِمْ} أي على أهل سبأ، وقال مجاهد: على الناس كلّهم إلاّ من أطاع الله {فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ المؤمنين وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ} إلاّ تسليطنا إياه عليهم {لِنَعْلَمَ} لنرى ونميز، ونعلمه موجودًا ظاهرًا كائنًا موجبًا للثواب والعقاب، كما علمناه قبل مفقودًا معدومًا بعد ابتلاء منا لخلقنا.
قال الحسن: والله ما ضربهم بسيف ولا عصا ولا سوط إلاّ أماني وغرورًا دعاهم إليها.
{مَن يُؤْمِنُ بالآخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} الآية.
{قُلِ} يا محمد لهؤلاء المشركين الذين أنت بين ظهرانيهم: {ادعوا الذين زَعَمْتُمْ} أنهم آلهة {مِّن دُونِ الله} ثم وصفها فقال: {لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض} من خير وشر وضرّ ونفع، فكيف يكون إلهًا من كان كذلك؟ {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا} أي في السماوات والأرض {مِن شِرْكٍ} شركة {وَمَا لَهُ} أي لله {مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ} عون.
{وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} تكذيبًا منه لهم حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وقرأ أبو عمرو والأعمش وحمزة والكسائي: {أُذن} بضم الألف، واختلف فيها عن عاصم، وقرأ غيرهم: بالفتح.
{حتى إِذَا فُزِّعَ} قرأ ابن عامر ويعقوب بفتح الفاء والزاي، وقرأ غيرهما: بضم الفاء وكسر الزاي، أي كشف الفزع، وأخرج {عَن قُلُوبِهِمْ} وأخبرني ابن فنجويه قال: أخبرني أبو علي بن حبيس المقرئ قال: حدثنا أبو عبيد القاضي قال: أخبرني الحسين بن محمد الصباغ عن عبد الوهاب عن موسى الأسواري عن الحسن أنه كان يقرؤها حتى {إذا فرع عن قلوبهم} بالراء والعين يعني: فرعت قلوبهم من الخوف.
واختلفوا في هذه الكناية والموصوفين بهذه الصفة؛ من هم؟ وما السبب الذي من أجله فزع عن قلوبهم؟
فقال قوم: هم الملائكة، ثم اختلفوا في سبب ذلك، فقال بعضهم: إنما يُفزع عن قلوبهم غشية تصيبهم عند سماعهم كلام الله سبحانه.
أخبرنا عبد الله بن حامد عن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل عن الحسن بن علي بن عفان قال: حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله قال: إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيصعقون عند ذلك ويخرون سجدًا، فإذا علموا أنه وحي فزع عن قلوبهم.
قال: فيُرد إليهم، فينادي أهل السماوات بعضهم بعضًا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق وَهُوَ العلي الكبير} فرفعه بعضهم.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرني أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي سعيد البزاز قال: حدثنا علي بن أشكاب قال: أخبرني أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفاء، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبرائيل عليه السلام، فإذا جاءهم جبرائيل عليه السلام فزع عن قلوبهم فيقولون: يا جبرائيل ماذا قال ربك؟ قال: يقول: الحق، فينادون: الحق الحق».
والشاهد لهذا الحديث والمفسر له ما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الفقيه قال: أخبرني أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب قال: أخبرنا بشر بن موسى قال: حدثنا الحميدي قال: حدّثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: إنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله عز وجل الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: للذي قال: الحق وهو العلي الكبير».
وأنبأني عقيل بن محمد عن المعافى بن زكريا عن محمد بن جرير الطبري عن زكريا بن أبان المصري عن نعيم عن الوليد بن مسلم عن عبد الرَّحْمن بن يزيد بن جابر عن أبي زكريا عن رجاء بن حبوة عن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله: «فإذا سمع بذلك أهل السماوات، صعقوا وخرّوا لله سجدًا، فيكون أول من يرفع رأسه جبرائيل، فيكلمه الله من وحيه بما أراده، ثم يمر جبرائيل على الملائكة، كلما مرّ بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبرائيل؟ فيقول جبرائيل: قال الحق وهو العلي الكبير. قال: فيقولون كلهم مثلما ما قال جبرائيل، فينتهي جبرائيل بالوحي حيث أمر الله».
وبه عن ابن جرير عن يعقوب عن ابن علية عن أيوب عن هشام عن عروة قال: قال الحرث ابن هشام لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي؟ قال: «يأتيني في صلصلة كصلصلة الجرس فيفصم عني حين يفصم وقد وعيته، ويأتيني أحيانًا في مثل صورة الرجل فيكلمني به كلامًا وهو أهون عليّ».
وقال بعضهم: إنما يفزعون حذرًا من قيام الساعة.
وقال الكلبي: كان بين عيسى ومحمد عليهما السلام فترة زمان طويلة لا يجري فيها الرسل خمسمائة وخمسين عامًا، فلما بعث الله محمدًا عليه السلام كلّم الله جبرائيل بالرسالة إلى محمد، فلما سمعت الملائكة الصوت ظنوا أنها الساعة قد قامت فصعقوا مما سمعوا.
فلما انحدر جبرائيل جعل يمر بأهل كلّ سماء فيكشط عنهم فيرفعون رءوسهم، فيقول بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟ فلم يدروا ما كان ولكنهم قالوا: قال الحق وهو العلي الكبير؛ وذلك أنّ محمدًا عند أهل السماوات من أشراط الساعة، فلما بعثه الله تعالى فزع أهل السماوات لا يشكون إلاّ أنها الساعة.
وقال الضحاك: إنّ الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض يكتبون أعمالهم، إذا أرسلهم الرب فانحدروا سمع لهم صوت شديد، فيحسب الذين هم أسفل من الملائكة أنه من أمر الساعة فيخرون سجدًا ويصعقون، حتى يعلموا أنه ليس من أمر الساعة، وهذا تنبيه من الله سبحانه وإخبار أنّ الملائكة مع هذه الصفة لا يمكنهم أنْ يشفعوا لأحد إلاّ أنْ يؤذن لهم، فإذا أذن الله لهم وسمعوا وحيه كان هذا حالهم. فكيف تشفع الأصنام؟
وقال آخرون: بل الموصوفون بذلك المشركون.
قال الحسن وابن زيد يعني: حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نزول الموت بهم إقامة للحجة عليهم، قالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحق، فأقرّوا به حين لم ينفعهم الإقرار، ودليل هذا التأويل قوله تعالى في آخر السورة: {وَلَوْ ترى إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ} [سبأ: 51]. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة سبأ:
مكية، إلا آية 6 فمدنية.
وآياتها 54.
نزلت بعد لقمان.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة سبأ: الآيات 1- 2]:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماء وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)}.
ما في السماوات والأرض كله نعمة من اللّه، وهو الحقيق بأن يحمد ويثنى عليه من أجله، ولما قال الْحَمْدُ لِلَّهِ ثم وصف ذاته بالإنعام بجميع النعم الدنيوية، كان معناه: أنه المحمود على نعم الدنيا، كما تقول: احمد أخاك الذي كساك وحملك، تريد: احمده على كسوته وحملانه.
ولما قال {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ} علم أنه المحمود على نعم الآخرة وهو الثواب. فإن قلت: ما الفرق بين الحمدين؟ قلت: أمّا الحمد في الدنيا فواجب، لأنه على نعمة متفضل بها، وهو الطريق إلى تحصيل نعمة الآخرة وهي الثواب. وأمّا الحمد في الآخرة فليس بواجب، لأنه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقها، إنما هو تتمة سرور المؤمنين وتكملة اغتباطهم: يلتذون به كما يلتذ من به العطاش بالماء البارد وَهُوَ الْحَكِيمُ الذي أحكم أمور الدارين ودبرها بحكمته الْخَبِيرُ بكل كائن يكون. ثم ذكر مما يحيط به علما ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ من الغيث كقوله {فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ} ومن الكنوز والدفائن والأموات، وجميع ما هي له كفات وَما يَخْرُجُ مِنْها من الشجر والنبات، وماء العيون، والغلة، والدواب، وغير ذلك وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماء من الأمطار والثلوج والبرد والصواعق والأرزاق والملائكة وأنواع البركات والمقادير، كما قال تعالى {وَفِي السَّماء رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ} {وَما يَعْرُجُ} فِيها من الملائكة وأعمال العباد وَهُوَ مع كثرة نعمه وسبوغ فضله {الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} للمفرطين في أداء مواجب شكرها. وقرأ على بن أبى طالب رضى اللّه عنه: {ننزّل} بالنون والتشديد.

.[سورة سبأ: الآيات 3- 4]:

{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}.
قولهم {لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ} نفى للبعث وإنكار لمجيء الساعة. أو استبطاء لما قد وعدوه من قيامها على سبيل الهزء والسخرية، كقولهم {مَتى هذَا الْوَعْدُ} أوجب ما بعد النفي ببلى على معنى: أن ليس الأمر إلا إتيانها، ثم أعيد إيجابه مؤكدا بما هو الغاية في التوكيد والتشديد، وهو التوكيد باليمين باللّه عز وجل، ثم أمد التوكيد القسمي إمدادا بما أنبع المقسم به من الوصف بما وصف به، إلى قوله {لِيَجْزِيَ} لأنّ عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه وشدّة ثباته واستقامته، لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر، وكلما كان المستشهد به أعلى كعبا وأبين فضلا وأرفع منزلة، كانت الشهادة أقوى وآكد، والمستشهد عليه أثبت وأرسخ.
فإن قلت: هل للوصف الذي وصف به المقسم به وجه اختصاص بهذا المعنى؟ قلت: نعم وذلك أن قيام الساعة من مشاهير الغيوب، وأدخلها في الخفية، وأوّلها مسارعة إلى القلب: إذا قيل عالم الغيب، فحين أقسم باسمه على إثبات قيام الساعة، وأنه كائن لا محالة، ثم وصف بما يرجع إلى علم الغيب، وأنه لا يفوت علمه شيء من الخفيات، واندرج تحته إحاطته بوقت قيام الساعة، فجاء ما تطلبه من وجه الاختصاص مجيئا واضحا. فإن قلت: الناس قد أنكروا إتيان الساعة وجحدوه، فهب أنه حلف لهم بأغلظ الأيمان وأقسم عليهم جهد القسم، فيمين من هو في معتقدهم مفتر على اللّه كذبا كيف تكون مصححة لما أنكروه؟ قلت: هذا لو اقتصر على اليمين ولم يتبعها الحجة القاطعة والبينة الساطعة وهي قوله لِيَجْزِيَ فقد وضع اللّه في العقول وركب في الغرائز وجوب الجزاء، وأن المحسن لابد له من ثواب، والمسيء لابد له من عقاب. وقوله {لِيَجْزِيَ} متصل بقوله {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} تعليلا له. قرئ: {لتأتينكم} بالتاء والياء. ووجه من قرأ بالياء: أن يكون ضميره للساعة بمعنى اليوم. أو يسند إلى عالم الغيب، أي ليأتينكم أمره كما قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ وقال ويَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ}.
وقرئ: {عالم الغيب} و {علام الغيب} بالجر، صفة لربي. و {عالم الغيب} و {عالم الغيوب} بالرفع، على المدح.
و {لا يعزب} بالضم والكسر في الزاى، من العزوب وهو البعد. يقال: روض عزيب: بعيد من الناس {مِثْقالُ ذَرَّةٍ} مقدار أصغر نملة ذلِكَ إشارة إلى مثقال ذرّة. وقرئ: {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر} بالرفع على أصل الابتداء. وبالفتح على نفى الجنس، كقولك: لا حول ولا قوّة إلا باللّه، بالرفع والنصب. وهو كلام منقطع عما قبله. فإن قلت: هل يصح عطف المرفوع على مثقال ذرّة، كأنه قيل: لا يعزب عنه مثقال ذرة وأصغر وأكبر وزيادة، لا لتأكيد النفي. وعطف المفتوح على ذرّة بأنه فتح في موضع الجر لامتناع الصرف، كأنه قيل: لا يعزب عنه مثقال ذرّة ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر؟ قلت: يأبى ذلك حرف الاستثناء، إلا إذا جعلت الضمير في عَنْهُ للغيب، وجعلت الْغَيْبِ اسما للخفيات، قبل أن تكتب في اللوح لأنّ إثباتها في اللوح نوع من البروز عن الحجاب، على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء، ولا يزل عنه إلا مسطورا في اللوح.

.[سورة سبأ: آية 5]:

{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)}.
وقرئ {معجزين} و {أليم} بالرفع والجر. وعن قتادة: الرجز: سوء العذاب.

.[سورة سبأ: آية 6]:

{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)}.
وقرئ {معجزين} فأليم: بالرفع والجر، وعن قتادة: الرجز: سوء العذاب. ويرى في موضع الرفع، أي: ويعلم أولو العلم، يعنى أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن يطأ أعقابهم من أمّته. أو علماء أهل الكتاب الذين أسلموا مثل كعب الأحبار وعبد اللّه ابن سلام رضى اللّه عنهما. الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ... الْحَقَّ هما مفعولان ليرى، وهو فصل من قرأ {الْحَقَّ} بالرفع: جعله مبتدأ والْحَقَّ خبرا، والجملة في موضع المفعول الثاني. وقيل يَرَى في موضع النصب معطوف على {لِيَجْزِيَ} أي: وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق. علما لا يزاد عليه في الإيقان، ويحتجوا به على الذين كذبوا وتولوا. ويجوز أن يريد: وليعلم من لم يؤمن من الأحبار أنه هو الحق فيزدادوا حسرة وغما.